حاز البحث العلمي والتطور المصاحب له في فلسطين على اهتمام واضح في السنوات الأخيرة، حيث يجري الباحثون الفلسطينيون أبحاثا هامة في مجالات تهدف إلى إيجاد حلول علمية لمشكلات على المستوى المحلي أو الدولي. نتائج هذه الأبحاث ذات قيمة عالية لصناع القرار والمطورين لتحديد الاحتياجات الدقيقة للمجتمع المحلي، ومن ثم تحسين قوانينهم وتشريعاتهم واستثماراتهم بناء على هذه الاحتياجات.

برغم الجهود الحثيثة لأنشطة البحث العلمي في فلسطين، فإن الحصول على الأبحاث المنفذة محدود للغاية بسبب قصور إمكانيات النشر وصلاحيات الوصول (IAP, 2002; Sweileh, 2014). وقد أدى التوجه العام لدى الباحثين لنشر نتاج بحوثهم في مجلات رفيعة المستوى، إلى عدم نشر أو تأجيل جلّ الدراسات الفلسطينية. بالإضافة غلى أن النظام التقليدي لنشر الأبحاث العلمية وارتفاع تكاليف المنشورات ساهم في نمو محدود للدراسات الفلسطينية (Qumsiyeh & Isaac, 2012). علاوة على أن الوصول إلى مخرجات البحث العلمي أيضا محدود، بسبب القيود المالية التي تحد من نشر وتوزيع نتائج الابحاث المحلية. كما أن المعلومات الهامة لحل أزمات تخص البلدان النامية لا يتم نشرها عادة في المجلات العلمية الصادرة في الدول المتقدمة.

نتيجة لذلك، فإن مخرجات الأبحاث العلمية الضرورية لمعالجة القضايا التنموية المحلية والإقليمية، تبقى محصورة على المستوى المؤسساتي، لعدم وصولها لمن قد يحتاجون إليها فعلياً. وبرغم نشر بعض مخرجات البحوث في المجلات العلمية المحلية، إلا أنها لا تعمم على نطاق واسع بسبب ضعف توزيع وتقدير هذه المجلات. يأتى ذلك مخيبا للآمال رغم كل الجهود والموارد التى يمكن ان تكرس من أجل البحث العلمي فى فلسطين.

من واقع التحديات المذكورة أعلاه، فإن توفير سبل الوصول إلى مجلات البحوث العلمية المحلية أصبح أولوية وطنية فى السنوات الاخيرة. وهذا أمر لا غنى عنه من أجل الارتقاء بالبحوث التى تجرى فى مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية ودمجها في مجمع المعرفة الدولية. وفى هذا الصدد، نتقدم بمشروع لبناء القدرات من أجل إدارة مخرجات البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية بتفعيل مستودعات مؤسسية متاحة الوصول OAIRs. انطلاقا من التوجه العام لإتاحة الوصول للمعلومات، تطورت المستودعات المؤسسية IRs لتصبح وسيلة مقبولة على نطاق واسع لحفظ ونشر نتاج البحث العلمي في جميع أنحاء العالم. يعتقد أن المستودعات المؤسسية متاحة الوصول OAIRs هي السبيل الوحيد الممكن من أجل زيادة الوعي بالبحوث المحلية وتعزيز اندماجها فى تجمع البحث العالمى.

في المؤسسات الأكاديمية العربية لم تحظى المستودعات المؤسسية متاحة الوصول OAIRs وإمكانيات تنميتها إلا بقليل من الاهتمام. دراسات حديثة استقصت واقع هذه المستودعات في العالم العربي (Carlson, 2015; Syed Sajjad Ahmed & Al‐Baridi, 2012) ، أشارت إلى أن الجهود المبذولة في هذا المجال لا تزال في بداياتها. بعض التقارير (Alkhaja, 2014) قدّرت عدد المستودعات متاحة الوصول OAIRs في المنطقة العربية في عام 2014 ب 34 مستودع، مقارنة ب 70 مستودع في أوروبا. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يكن هناك دراسة واضحة فيما يتعلق بواقع المستودعات المؤسسية IRs فى مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية. وبالرجوع إلى "شبكة تصنيف المستودعات" بهدف الحصول على مؤشر أولي، لاحظنا عدم تواجد مستودعات مؤسسية IRs في فلسطين على الإطلاق. ورغم أن بعض مؤسسات التعليم العالي قد بدأت مؤخراً فى إتاحة الوصول إلى نتاج البحث العلمي عبر خدمات المكتبات الإلكترونية، إلا أنها لا تعتمد إجراءات أو سياسات رسمية لتقديم أعمال أكاديمية أو لحمايتها على المدى الطويل، فضلا عن قضايا أخرى مرتبطة بالملكية الفكرية.

إنشاء مستودعات مؤسسية متاحة الوصول OAIRs لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية لن يحسن فقط الوصول وإدارة البحوث العلمية، بل سيمكن من حرية الوصول إلى نتائج البحوث وتعزيز التواصل والتنسيق العلمي بين هذه المؤسسات، فضلاً عن تقنين الجهود المزدوجة رغم القيود المفروضة على التنقل والتي تعيق التواصل المباشر. كما أن المستودعات المؤسسية IRs التي توفر حلولاً للحماية على المدى الطويل تسهم بقدرٍ كبيرٍ في الحفاظ على المحتويات الرقمية المحلية مثل الصحة والتعليم والأرشيفات الشخصية، حيث أن بقاء واستدامة هذه الأرشيفات في مناطق الصراع، مثل فلسطين، مهدد باستمرار بالتلف والضياع.

فى دراسة حديثة حول مستقبل تشارك المعرفة فى العصر الرقمى (Gregson et al., 2015)، بحث المؤلفون السبل التي تساهم بها التقنيات الرقمية في تطوير أو تدمير خطط التنمية. وذكروا أنه فى خلال 15 عاما سيتمكن باحثون أكثر وأكثر من الوصول والمساهمة للمحتوى الرقمي، والذي يمكن أن يحسن حياة الناس بإتاحة المعلومات وزيادة فرص المشاركة السياسية والاقتصادية، وجعل الحكومة أكثر شفافية واستجابة. ولكن على الصعيد العالمي، ما زالت المشاركة فى عصر التكنولوجيا الرقمية غير متكافئة، مما يشكل خطراً من تنامي الفجوة المعرفية. هذه الدراسة أوصت بضرورة مشاركة البلدان النامية فى تطوير البنى التحتية والنظم المعرفية التى تعود عليهم بالفائدة; وبتشجيع الجامعات على النشر العلمي من خلال المنصات التعاونية متاحة الوصول; وكذلك باستثمار الحكومات والوكالات الإنمائية فى تطوير نظم ومستودعات رقمية أكثر فعالية لتشارك المعرفة. ولذا نرى أن تطوير المستودعات المؤسسية في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية سيلعب دورا هاما ليس فقط لتحسين إدارة وحفظ وحماية الملكية الفكرية، بل أيضاً في تشكيل حياة المواطنين الفلسطينيين ومعالجة تحديات التنمية بصورة شاملة ومتوازنة.